الرقابة الشرعية على المصارف الاسلامية

تعد هيئة الرقابة الشرعية من الهيئات المهمة في المصارف الإسلامية، كونها تمثل القرار الشرعي بكل أبعاده الإقتصادية والاجتماعية والفكرية، الذي يحدد شرعية المعاملات المصرفية، لاسيما وأن معظم تخصصات العاملين في هذه المصارف ليست تخصصات شرعية .

تتكون هيئة الرقابة الشرعية من أعضاء متخصصين في الشريعة والقانون والإقتصاد والمحاسبة والمفترض أن يضاف اليها عضو في الإدارة، كي يكون قرارها محكما و حرا  وموضوعيا .
يمتاز وضع الهيئة الشرعية في المصارف الإسلامية بالآتي:

  1. عدم دخول أعضائها في مجلس إدارة المصرف درءا لشبهة المصلحة الخاصة.
  2. يساهمون مثل غيرهم في رأس مال المصرف.
  3. مختارون من قبل  الجمعية العمومية للمصرف، أو عن طريق مجلس الإدارة أو بأساليب أخرى.

تتحدد اختصاصات الهيئة في إعداد التقارير الدورية في ما يتعلق بـ :

  1. صيغ العقود ومراجعتها .
  2. الرأي والمشورة
  3. الإجابة على التساؤلات الفقهية .
  4. متابعة تنفيذ الفتاوى الشرعية.
  5. حق إيقاف المعاملات غير الشرعية .
  6. إدارة شؤون الزكاة .

وغير ذلك من الأعمال .

  1. تمارس الهيئة الشرعية دورها الرقابي من خلال :
  2. ممثل لها في المصرف .
  3. الاجتماعات الدورية .
  4. اختيار عينات من الأعمال لمراجعتها .

وهناك أساليب أخرى يتعرض لها البحث بالتوضيح.

وللهيئة دور مهم في الأنشطة المختلفة للمصرف سيوضحها البحث على النحو الآتي:

دورها الإقتصادي : يتمثل في صياغة وإعداد العقود الإستثمارية ومراجعتها، وإعداد نماذج الخدمات ومراجعتها والمساعدة في دراسة الجدوى .

أما دورها الاجتماعي فيتمثل في وضع الخطط الكفيلة بجمع الزكاة وتوزيعها ودعم التعامل بالقرض الحسن .
وتلعب الهيئة كذلك دورا مهما  في إحداث أعراف مصرفية في البنك، ووضع التعليمات التنفيذية الخاصة بالتشغيل .

ويبقى دورها في تكوين نظام للحوافز على وفق الرؤية الإسلامية ، دورا مهما جدا ، ذلك لأنه يعطي للعاملين في المصارف الإسلامية دافعا ماديا ومعنويا  في القيام بواجباته على أحسن وجه، لما للحوافز من قيمة معنوية عالية .

لقد كتبت أبحاثا كثيرة وعقدت مؤمرات عدة عالجت مسألة الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية، ولهذا لم يخض البحث في إعادة ما كتبت ..عن الدور والمهمة الملقاة على الهيئة بشكلها التقليدي، وإنما حرصنا في ورقتنا على التركيز على تصور جديد للهيئة وهي ضرورة أن ترتقي بعملها لتكون عقل المصرف الإسلامي الذي يخطط دروب النهضة للامة، فالمصارف لها دورها الكبير في نهضة الأمة، لأنها ينابيع التمويل المالي للقطاعات الإقتصادية وغير الإقتصادية.

ولأجل توضيح هذا التصور، قسمنا البحث على المحاور الآتية:

أولا – ضرورة الرقابة الشرعية

إن الرقابة الشرعية التي تقوم بها هيئة متخصصة في المؤسسات المالية الإسلامية بعامة، والمصارف الإسلامية بخاصة، ضرورة شرعية وضرورة حضارية، فمن حيث كونها ضرورة شرعية، فان مجرد تأسيس مصرف بصفة إسلامية لا يعصمه من الخطأ، ولا حتى من التجاوز على أحكام الشريعة، وهو ما يعاني منه الواقع المصرفي الإسلامي اليوم، ولهذا كان من اللازم ان تكون هناك هيئة شرعية تراقب تطبيق الأحكام الإسلامية المالية. ومن حيث كونها ضرورة حضارية، فان المؤسسات المالية المهمة في العالم تخضع لهيئة رقابة. تقيم أعمالها في ضوء معايير معينة تنظم عمل المؤسسات المصرفية في العالم، ولنا في (بازل1) و(بازل2) خير دليل.

لذلك نرى ضرورة الإرتقاء بعمل هيئة الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية إلى وضع أكثر تاثيرا وفاعلية مما هو عليه الان، على آهمية ما نقوم به من عمل كفء، وهو ما يسعى البحث إلى توضيحه.

ينبغي ان تكون هيئة الرقابة الشرعية عقل المصرف الإسلامي الذي ينتج برامجه الإقتصادية والاجتماعية والثقافية وما إلى ذلك في ضوء ما تحمله من وعي عميق ومسؤول بمصادر الشريعة الاسلامية الأساسية منها (القران والسنة) والتبعية مثل علوم العقيدة والفقه والحديث واللغة وما إلى ذلك.

ولما كان المصرف الإسلامي يختلف عن غيره من المصارف السائدة في الإقتصادات العالمية، من حيث وظائفه التي تحددها الشريعة ومقاصدها، فلابد أن يرتقي وعي هيئة الرقابة الشرعية بالدور الحضاري للمصارف الإسلامية وأهميتها في تحقيق تنمية حضارية شاملة، ذلك أن الزمن الحالي للحضارة الاسلامية بخاصة والإنسانية بعامة، يفرض على الهيئة آن تخرج من دورها التقليدي في مراقبة عمل المصارف من حيث تطبيقها للأحكام الشرعية، لان المصرف لم يعد إسلاميا حين  يحتال على أحكام الشريعة لغرض الكسب المادي. وانما ينبغي على هيئة الرقابة الشرعية أن تسهم في بناء السياسة المالية والنقدية الإسلامية بما يحقق نقلة نوعية للمصارف الإسلامية لتكون قطاعا قائدا في النهوض الحضاري الإسلامي.

قام المصرف الإسلامي، أصلا، على أحكام الشريعة الإسلامية الإقتصادية والجتماعية والأخلاقية وما إلى ذلك، وبها تحددت هويته، والقائمون على المصرف الإسلامي هم مسلمون واعون بالأحكام التي شرعت لتنظيم المعاملات المالية، وهويتهم واضحة كذلك، إن وجود الهيئة في مثل هذه الحالة، هو لتحري الدقة في تطبيق الاحكام الشرعية والعقود،،كي لا نسمح بتسلل مغريات الربح الى عمل المصرف على حساب الحكم او العقد الاسلامي.

ثانيا: الهيئة ووعي أهداف المصارف

يحتاج المصرف الإسلامي إلى (الفتوى) في ما يواجهه من مستجدات إقتصادية وغير إقتصادية، وهنا يكون للهيئة حضورها الفعال، غير أن الامر أكبر من دور المفتي، إنه الدور البنائي الخلاق الذي يرسم سياسات النهضة للأمة من خلال تحقيق فاعلية أكبر للمصارف الإسلامية، والخطوة الأساسية في هذا العمل هو وعي أهداف المصارف الإسلامية التي يمكن إجمالها بالاتي:

  1. الحفاظ على رأس المال، وهو أحد مقاصد الشريعة، وتحقيق الإستغلال الإقتصادي للدول الاسلامية.
  2. تنمية الإقتصاد الوطني والعالمي ودعمه على أساس الشريعة الغراء.
  3. تحرير المعاملات المالية من المحظورات الشرعية (الربا…)
  4. تحقيق العدل في توزيع عوائد استخدام الثروات بين أصحاب الأموال والمحتاجين.
  5. تنظيم المنافع الحقيقية بين أصحاب رؤوس الأموال والمودعين.
  6. مراعاة الجانب الاجتماعي من خلال فريضة الزكاة على رؤوس الأموال وناتج المعاملات في حدود قواعد موضوعية متفق عليها.
  7. الإلتزام بأحكام الشريعة في توجيه الاموال لخدمة المجتمع.
  8. تقديم البدائل المقبولة شرعا عن الخدمات المصرفية التقليدية.
  9. تحقيق العدل في توزيع عوائد استخدام الثروة بين أصحاب الأموال والقائمين على إدارتها والمجتمع.
  10. خدمة المجتمع وهذه تعد من الأهداف المهمة للمصارف الإسلامية، كونها توفر حاجات المجتمع الضرورية مثل السكن ودعم المشاريع الفردية، فضلا عن دعمها للمشاريع التنموية التي تخدم المجتمع بعامة.
  11. تحقيق الأرباح ذلك أنه بدونها لايتمكن المصرف من إنجاز الكثير من أعماله والتزاماته الشرعية ([1]) .

إن الزمن الحالي للحضارة الإسلامية خاصة والإنسانية بعامة، يفرض على هيئة الرقابة الشرعية أن تتجاوز دورها التقليدي إلى صانع قرار مالي ومصرفي ا

إسلامي يرسم من خلال إسهامه في صناعة السياسات الإقتصادية، طريق النهضة الحضارية. وهذا يتطلب إعادة فهم لمكانة الهيئة الرقابية في المصرف الإسلامي من خلال وعي أدوارها النهضوية وكما ياتي:

ثالثا: الدور الإقتصادي لهيئة الرقابة الشرعية

الإقتصاد تكثيف للحضارة، ولهذا ينبغي على الإقتصاديين الإسلاميين أن يحققوا في وعيهم هذا التكثيف، وأن يعمقوا وعيهم الحضاري والإنفتاح على حقول المعرفة كافة.

Spread the love
العربية